مديرة المركز الثقافي "رخوان عيسى" بالأخضرية، إيمان بشار، في حوار خاص:
"جمعية نشاطات السلام الثقافية تؤكد مجددًا أن كتابة التاريخ مسؤولية وطنية قبل أن تكون عملاً ثقافياً"
"على خطى البيان"... ذاكرة الثورة في نبض الحاضــر
منيب ولي الدين
مواصلة لتغطيتنا للملتقى الوطني التاريخي "على خطى البيان" أجرينا هذا الحوار مع المكلفة بالإعلام بالملتقى إيمان بشار مديرة المركز الثقافي رخوان عيسى، تحدثت فيه عن مجريات الفعالية التاريخية المخلّدة للوثيقة الخالدة "بيان أول نوفمبر" الرصاصة الأولى للثورة التحريرية المظفرة و عن نجاح الملتقى، وعن دور الجمعية المنظمة في تخليد الذاكرة الوطنية وصون معالمها للأجيال القادمة ، ففي أجواء نوفمبرية مفعمة بروح الثورة وعبق التاريخ، احتضنت ولايتا البويرة وتيزي وزو يومي 27 و28 أكتوبر فعاليات الملتقى الوطني التاريخي "على خطى البيان"، الذي نظمته جمعية نشاطات السلام الثقافية إحياءً للذكرى الـ71 لاندلاع الثورة .
الحدث أعاد إلى الأذهان فجر الثورة وبداياتها الأولى، جامعًا بين الذاكرة والهوية، وبين البحث الأكاديمي والتجسيد الميداني، في مبادرة وطنية تعيد قراءة التاريخ بعين الاعتزاز والمسؤولية.
- بدايةً، كيف تقيمين الملتقى الوطني التاريخي "على خطى البيان" الذي احتضنته ولايتا البويرة وتيزي وزو؟
- الملتقى كان حدثًا وطنيًا استثنائيًا وناجحًا بكل المقاييس، سواء من حيث التنظيم أو المضمون أو حجم التفاعل. لقد شكّل محطة تاريخية مهمة أعادت ربط الأجيال بجذورها النوفمبرية الأصيلة، حضرته الأسرة الثورية، السلطات الرسمية، الجمعيات الثقافية، والأساتذة الجامعيون، إلى جانب حضور لافت للطلبة، ما منح الحدث روحًا شبابية متجددة، خلال يومين كاملين، تحوّل الملتقى إلى فضاء للوفاء والاعتزاز، أعاد للأذهان أجواء فجر نوفمبر المجيد، واستحضر رمزية البيان الأول في تأسيس الدولة الجزائرية المستقلة.
- جمعية نشاطات السلام الثقافية كانت صاحبة المبادرة في هذا الملتقى. كيف تنظرين إلى دورها وإسهاماتها؟
- الجمعية أثبتت مجددًا أنها واحدة من أبرز الفاعلين في المشهد الثقافي والتاريخي الوطني، بما تقدمه من مبادرات مبدعة وملتزمة بالبعد الوطني، لقد أبدعت بشكل خاص في الإنجاز الخالد الوثائقي الموسوم بـ"على خطى البيان"، الذي قدّم بطريقة فائقة الاحترافية، وجسّد تفاصيل صياغة بيان أول نوفمبر 1954 في سرد بصري مؤثر يجمع بين الدقة التاريخية والجمال الفني، هذا العمل الوثائقي يُعد وثيقة بصرية تحفظ الذاكرة وتخلّد لحظة ميلاد وطن، وتكرّس فكرة أن كتابة التاريخ يمكن أن تكون فنًا ورسالة في آن واحد.
- الملتقى تخلله نشاط ميداني مهم تمثل في زيارة رمزية لقرية إيغيل إيمولا. كيف عشتِ تلك اللحظة؟
- الزيارة إلى قرية إيغيل إيمولا كانت لحظة خالدة بكل المقاييس. هناك، حيث وُلد البيان الأول، شعر الوفد بأن التاريخ ما زال حيًا يتنفس في تلك القرية الهادئة التي احتضنت فجر الحرية، عشنا مشهدًا مؤثرًا حين وقف الجميع أمام المكان الذي صيغت فيه الوثيقة الخالدة، نستحضر وجوه الرجال الأحرار الذين كتبوا بيان الثورة بإيمان عميق وإصرار على النصر، كانت زيارة تفيض بالرمزية والرهبة، فقد جعلتنا نلامس لحظات ميلاد الجزائر من رحم التضحية، ونستشعر أن نوفمبر ليس مجرد تاريخ بل وجدان يتجدد في كل جيل.
- ما الذي ميّز هذا الملتقى عن غيره من الفعاليات المماثلة؟
- الميزة الأساسية تكمن في التكامل بين البعد الأكاديمي والتاريخي والإنساني، الملتقى لم يكتفِ بالمداخلات العلمية، بل قدّم تجربة حيّة ربطت بين التوثيق، والوفاء، والإبداع. حضور الأسرة الثورية إلى جانب الباحثين والشباب خلق تواصلاً حقيقيًا بين الأجيال، وهو ما نعتبره إنجازًا في حد ذاته، كما ساهم التغطية الإعلامية الواسعة والتنظيم المحكم في إبراز صورة مشرفة للحدث، تؤكد أن العمل الثقافي الجاد قادر على أن يرتقي بالفعل إلى مستوى الرسالة الوطنية.
- وما هي المشاريع المستقبلية التي تجمع المركز الثقافي "رخوان عيسى" بالأخضرية وجمعية نشاطات السلام الثقافية؟
- نحن في المركز الثقافي نؤمن أن العمل الثقافي الهادف لا يتوقف عند محطة واحدة. بالتعاون مع جمعية نشاطات السلام الثقافية، سنواصل المضي على نفس النهج من خلال مشاريع جديدة تستلهم روح نوفمبر وتهتم بالذاكرة الوطنية، ستكون هناك مبادرات بحثية وتاريخية وتكريمية قادمة، تكرّس قيم التضحية والانتماء، وتمنح الشباب فضاءً للتعبير عن حبهم لوطنهم بطرق إبداعية معاصرة، هدفنا أن يبقى التاريخ حيًا في وجدان الناس، وأن تظل الجزائر وفية لأبطالها الذين صنعوا فجرها المجيد.
الملتقى الوطني "على خطى البيان" كان حدثا وطنيا نوعيا جمع بين الذاكرة والبحث، بين الوفاء والابتكار، ليُعيد للبيان الأول صوته الخالد في ذاكرة الجزائر، ومن خلال هذا العمل، أثبتت جمعية نشاطات السلام الثقافية والمركز الثقافي "رخوان عيسى" بالأخضرية أن الوفاء للتاريخ ليس ماضٍ يُستذكر فقط، بل حاضر يُكتب بروح نوفمبرية لا تنطفئ.

